شهد تاريخ وثقافة الطعام في الإمارات تغيرا جوهريا ومر بمراحل متعددة وما نعرفه عن طعام أهل الإمارات في الأزمان الغابرة مستمد في معظمه من البحوث الأثرية التي تشير إلى أنهم كانوا يعيشون أساسا على امتداد الساحل ويأكلون السمك والمحار وتشهد على ذلك أكوام النفايات الكبيرة من الأصداف التي كشفت عنها أعمال التنقيب الأثرية على طول ساحل الخليج .
وفي الواقع قبل تحول المجتمع الإماراتي من مجتمعات القبيلة إلى مجتمع المدينة في النصف الأول من القرن الماضي لا يمكن الفصل بين نمط الطعام عند أهل البادية وأهل الساحل لأن كثيرا من أبناء الإمارات عاش حياة البداوة نظرا لطبيعة الأرض التي ولد فيها وعاش حياة البحر طلبا للرزق .
وللبحث في تاريخ الطعام والغذاء قبل ذلك التحول نجد ان الإبل لعبت دورا حيويا في حياة أهل الإمارات فهي مصدر للغذاء ووسيلة للنقل واحتل الصيد جانبا مهما من حياة الإماراتي حيث استخدم الصقور المدربة تدريبا عاليا في اصطياد طائر الحبارى الذي يمثل وجبة دسمة في مائدة البدوي بينما يجدها ابن الساحل في قاع البحر او تحت ظلال النخيل .
وكان البحر والشاطئ الرملي بما فيه من تمور وإبل هو مفتاح الغذاء والطعام في الإمارات قبل قيام الاتحاد ولذلك ليس هناك ما يحجب ابن الإمارات عن رؤية البحر على امتداد الأفق من ناحية وبحر الرمال على امتداد الأفق من ناحية ثانية .
واعتمد الإماراتي في تلك الفترة على ما تجود به الطبيعة لسد رمق الجوع وتأقلم بكل مهارة مع الظروف البيئية والمناخية فكان همه يتمحور حول توفير طعامه وتحضيره ..فمثلا في أيام البداوة المبكرة كان القمح يستخدم لتحضير نوع من الخبز غير المرقوق بأقل القليل من الماء للعجن حيث كان الماء نادرا في تلك الأيام .
وكانت معيشة البدو تعتمد على قطعانهم .. والجمل كان الثروة الأغلى فهو وسيلة النقل ومنه الحليب والطعام والشرب واللحم والشعر والجلد غير أن الواحات كانت المكان الوحيد لحصول البدو وأهل الساحل على التمر الجيد وغيره من الفاكهة مثل النبق /ثمر شجرة السدر.
وبالطبع فإن من يعيشون في الجبال هم أكثر حظا في الحصول على الفاكهة والخضراوات فيما يتمتع سكان السواحل بحصة أكبر تنوع في مأكلهم من السمك وأحيانا من السلاحف وأبقار البحر .
والإبل في البادية كانت عنوانا للثروة ونادرا ما كانت تذبح للأكل ..أما لحوم الإبل المتوفرة فكان مصدرها الفائض من المواليد الذكور أوالرؤوس المريضة أو المصابة ..أما الغنم والماعز فكانوا يربونها أيام وفرة الماء ومن أجل لحومها وألبانها أساسا إلى جانب جلودها وأصوافها وشعرها وكان حليبها يستخدم في معظمه لإنتاج السمن .
وبالنظر إلى الرتابة اليومية للمأكل الخالي من اللحم لن يكون من الغريب أن أرنبا بريا أو ضبا يعتبر وجبة نادرة ولذيذة فالأرانب وبقدر أندر الغزلان كانت تصاد بالصقور والكلاب السلوقية .
أما التمر فكان عبارة عن وجبة خفيفة يتناولونها على مدار اليوم وبعض حليب النوق هو كل ما يتوفر ..فالتمر كان مهما جدا كطعام للبدو في الصحراء ولأهل الساحل فهو متوفر في كل واحة وسهل الأكل ولا يفسد ..كما أنه سهل النقل إضافة إلى كونه يشكل علفا مغذيا جدا للإبل ..كما طور البدو طريقة خاصة لحفظ الطحين والتمر والسمن حيث يغلونها وتقلب معا لتشكيل كتل جامدة يسمونه /البثيث/ وهو سهل الحمل والتخزين أثناء الاستقرار والترحال.
وقبل الاتحاد بقليل تطور طعام وشراب أهل الإمارات مقارنة بالمراحل التي سبقتها إذ تحدث عدد من الرحالة الأجانب عن ولائم عامرة كانت قواعد الضيافة تدفع الناس لتقديم موائد كبيرة ومتميزة ..كما تحدث تشارلز دوتي وانجز بيرتمان توماس وولفريد ثيسجر الذين ارتحلوا مع أعداد صغيرة من البدو عن أطعمة أبسط بكثير يأكلونها يوميا والوجبة الرئيسية هي تلك التي تتلو حلب الأنعام مساء ..وأثناء الترحال كانوا يأكلون الخبز غير المرقوق ..أما في فترات الاستقرار في المضارب فكانوا يخبزون خبز الرقاق على الصاج وحين صيد فريسة كانوا يلقون بها كلها بجلدها فوق النار أما حين يذبحون رأس ماشية في مناسبة ما فكانوا يطبخونها في قدر ضخم ثم يأكلونها مع القمح لكن مع توفر الأرز لاحقا أصبحوا يفضلون هذا الأخير مع اللحم .
وبعد الاتحاد تغير حال الإماراتيين عندما سطع نجم المرحوم الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان /طيب الله ثراه/ وأسس دولة المؤسسات وكبرت الأسواق وعرف الأهالي الغرف التجارية والدوائر الاقتصادية والموانئ التجارية وزادت حركة الاستيراد والتصدير والشراء والبيع ودخلت على الدولة بضائع ومنتجات غذائية كثيرة وجديدة فتغير السلوك الغذائي والنمط الاستهلاكي للمواطن الإماراتي .
وفي الثمانينات اكتملت البنية التحتية للدولة بفضل من الله ومن المغفور له الشيخ زايد ..وافتتحت أكبر الفنادق والمنتجعات العالمية واستقطبت بدورها أرقى وأشهر مدارس الطبخ العالمية ..ثم اتجهت الدولة لتنظيم أكبر معارض الأغذية في العالم مثل معرض /الخليج للأغذية/ الذي انطلق للمرة الأولى منذ 25 عاما واليوم يعد أكبر وأشهر المعارض على مستوى العالم في قطاع الأغذية والمشروبات وخدمات الطعام والضيافة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق